الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.مَسْأَلَةٌ: الْأَوْقَاتُ الْمُخْتَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ: وَيُخْتَارُ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ، ثُمَّ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ. وَمِنَ الْأَعْشَارِ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَمِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ. وَيُخْتَارُ لِابْتِدَائِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَلِخَتْمِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَالْأَفْضَلُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: إِذَا وَافَقَ خَتْمُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنْ وَافَقَ خَتْمُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ. قَالَ فِي الْإِحْيَاء: وَيَكُونُ الْخَتْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَأَوَّلَ اللَّيْلِ فِي رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ. وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، يُسْتَحَبُّ الْخَتْمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ. .مَسْأَلَةٌ: صَوْمُ يَوْمِ الْخَتْمِ: وَأَنْ يَحْضُرَ أَهْلُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ: أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَدَعَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَقَالَا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَيْكَ لِأَنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْتِمَ الْقُرْآنَ، وَالدُّعَاءُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَيَقُولُ: عِنْدَهُ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ. .مَسْأَلَةٌ: اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مِنَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي بَزَّةَ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيِّ، فَلَمَّا بَلَغْتُ الضُّحَى، قَالَ: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ، فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمْرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَرَهُ. بِذَلِكَ كَذَا أَخْرَجْنَاهُ مَوْقُوفًا. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ بَزَّةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ- أَعْنِي الْمَرْفُوعَ- الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ- وَصَحَّحَهُ- وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنِ الْبَزِّيِّ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ قَالَ: قَالَ لِي الْبَزِّيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ تَرَكْتَ التَّكْبِيرَ فَقَدْتَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكَ. قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَهُ لِلْحَدِيثِ. وَرَوَى أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْبَزِّيّ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَلَى مُحَمَّدًا رَبُّهُ، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الضُّحَى، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: نُكْتَةُ التَّكْبِيرِ التَّشْبِيهُ لِلْقِرَاءَةِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ: إِذَا أَكْمَلَ عِدَّتَهُ يُكَبِّرُ، فَكَذَا هُنَا يُكَبِّرُ إِذَا أَكْمَلَ عِدَّةَ السُّورَةِ. قَالَ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ كُلِّ سُورَةٍ وَقْفَةً، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَكَذَا قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِه: يُكَبِّرُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ تَكْبِيرَةً وَلَا يَصِلُ آخِرَ السُّورَةِ بِالتَّكْبِيرِ، بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ. قَالَ: وَمَنْ لَا يُكَبِّرُ مِنَ الْقُرَّاءِ، حُجَّتُهُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقُرْآنِ، بِأَنْ يُدَاوَمَ عَلَيْهِ فَيُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْهُ. وَفِي النَّشْرِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي ابْتِدَائِهِ، هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى أَوْ مِنْ آخِرِهَا؟. وَفِي انْتِهَائِه: هَلْ هُوَ أَوَّلُ سُورَةِ النَّاسِ أَوْ آخِرُهَا؟. وَفِي وَصْلِهِ بِأَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا وَقَطْعِهِ، وَالْخِلَافُ فِي الْكُلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ هُوَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ لِآخِرِهَا؟. وَفِي لَفْظِه: فَقِيلَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. وَسَوَاءٌ فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا. صَرَّحَ بِهِ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ. .مَسْأَلَةٌ: الدُّعَاءُ عَقِبَ الْخَتْمِ: وَفِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمِدَ الرَّبَّ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَدْ طَلَبَ الْخَيْرَ مَكَانَهُ». .مَسْأَلَةٌ: يُسَنُّ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى عَقِبَ الْخَتْمِ: وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ {قُلْ أَعْوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} افْتَتَحَ مِنَ الْحَمْدِ، ثُمَّ قَرَأَ مِنَ الْبَقَرَةِ إِلَى {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ثُمَّ دَعَا بِدُعَاءِ الْخَتْمَةِ، ثُمَّ قَامَ». .مَسْأَلَةٌ: مَنْعُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عِنْدَ الْخَتْمِ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْرَأَ أَرْبَعًا لِيَحْصُلَ لَهُ خَتْمَتَانِ!. قُلْنَا: الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُصُولِ خَتْمَةٍ، إِمَّا الَّتِي قَرَأَهَا، وَإِمَّا الَّتِي حَصَلَ ثَوَابُهَا بِتَكْرِيرِ السُّورَةِ. انْتَهَى. قُلْتُ وَحَاصِلُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى جَبْرِ مَا لَعَلَّهُ حَصَلَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ خَلَلٍ. وَكَمَا قَاسَ الْحَلِيمِيُّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْخَتْمِ عَلَى التَّكْبِيرِ عِنْدَ إِكْمَالِ رَمَضَانَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ تَكْرِيرُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ عَلَى إِتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالَ. .مَسْأَلَةٌ: كَرَاهَةُ اتِّخَاذِ الْقُرْآنِ مَعِيشَةً يُتَكَسَّبُ بِهَا: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ صَالِحٍ حَدِيثَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عِنْدَ ظَالِمٍ لِيَرْفَعَ مِنْهُ، لُعِنَ بِكُلِّ حِرَفٍ عَشْرَ لَعَنَاتٍ». .مَسْأَلَةٌ: كَرَاهَةُ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ أُنْسِيتُهَا: .مَسْأَلَةٌ: وُصُولُ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ: .فصل: في الِاقْتِبَاسِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ: وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُهُ وَتَشْدِيدُ النَّكِيرِ عَلَى فَاعِلِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ مَذْهَبِنَا: فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، مَعَ شُيُوعِ الِاقْتِبَاسِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ الشُّعَرَاءِ لَهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَسُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَأَجَازَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ إِلَى آخِرِهِ وَقَوْلِه: «اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانَا، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ، وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ». وَفِي سِيَاقِ كَلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. وَفِي آخِرِ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ: قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي مَقَامِ الْمَوَاعِظِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَفِي النَّثْرِ، لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِهِ فِي الشِّعْرِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ تَضْمِينَهُ فِي الشِّعْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي النَّثْرِ جَائِزٌ. وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا فِي النَّثْرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ خُطْبَةِ الشِّفَا. وَقَالَ الشَّرَفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِئِ الْيَمَنِيُّ صَاحِبُ مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فِي شَرْحِ بَدِيعِيَّتِه: مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ فِي النَّظْمِ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَغَيْرُهُ مَرْدُودٌ. وَفِي شَرْحِ بَدِيعِيَّةِ ابْنِ حُجَّةَ: الِاقْتِبَاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَقْبُولٌ. وَمُبَاحٌ. وَمَرْدُودٌ. فَالْأَوَّلُ: مَا كَانَ فِي الْخُطَبِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْعُهُودِ. وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي الْقَوْلِ وَالرَّسَائِلِ وَالْقِصَصِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى ضَرْبَيْن: أَحَدُهُمَا: مَا نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَنْقُلُهُ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَا قِيلَ: عَنْ أَحَدِ بَنِي مَرْوَانَ أَنَّهُ وَقَّعَ عَلَى مُطَالَعَةٍ فِيهَا شِكَايَةُ عُمَّالِه: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ. وَالْآخَرُ تَضْمِينُ آيَةٍ فِي مَعْنَى هَزْلٍ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِه: قُلْتُ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَسَنٌ جِدًّا، وَبِهِ أَقُولُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ الطَّاهِرِ التَّمِيمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجِلَّائِهِمْ، أَنَّ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: وَقَالَ: اسْتِعْمَالُ مِثْلِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ مِثْلَ هَذَا الِاقْتِبَاسِ فِي شِعْرِهِ لَهُ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ جَلِيلُ الْقَدْرِ، وَالنَّاسُ يَنْهَوْنَ عَنْ هَذَا، وَرُبَّمَا أَدَّى بَحْثُ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَيَثِبُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَثْبَةَ مَنْ لَا يُبَالِي. وَهَذَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا وَأَسْنَدَ عَنْهُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ. قُلْتُ: لَيْسَ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الِاقْتِبَاسِ لِتَصْرِيحِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْهُ. وَأَمَّا أَخُوهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ، فَقَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: الْوَرَعُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنْ يُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قُلْتُ: رَأَيْتُ اسْتِعْمَالَ الِاقْتِبَاسِ لِأَئِمَّةٍ أَجِلَّاءَ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ: وَأَنْشَدَهُ فِي أَمَالِيهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: أَنْشَدَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ لِنَفْسِهِ. وَيَقْرُبُ مِنْ الِاقْتِبَاسِ شَيْئَان: أَحَدُهُمَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهَا الْكَلَامُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَان: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا، فَرَوَى النَّخَعِيُّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَأَوَّلَ الْقُرْآنُ لِشَيْءٍ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِمَكَّةَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ}، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ، فَقَالَ: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}. وَأَخْرَجَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُحَكِّمَةِ أَتَى عَلِيًّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. فَقَالَ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَر: 65]. فَأَجَابَهُ فِي الصَّلَاةِ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفُّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرُّوم: 60]. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُكَرَهُ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ، صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِمَادُ الْبَيْهَقِيُّ تِلْمِيذُ الْبَغَوِيِّ. كَمَا نَقَلَهُ الصَّلَاحُ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. الثَّانِي: التَّوْجِيهُ بِالْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ، وَرُوِّينَا عَنِ الشَّرِيفِ تَقِيِّ الدِّينِ الْحُسَيْنِيِّ أَنَّهُ لَمَّا نَظَمَ قَوْلَهُ: خَشِيَ أَنْ يَكُونَ ارْتَكَبَ حَرَامًا، لِاسْتِعْمَالِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْقُرْآنِيَّةَ فِي الشِّعْرِ، فَجَاءَ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهُمَا، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: (وَمَا حُسْنُ كَهْفٍ)، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَفَدْتَنِي وَأَفْتَيْتَنِي. .خَاتِمَةٌ: وَأَيُّ مَعْنًى أَبْلَغُ مِنْ مَعْنًى أَكَّدَهُ اللَّهُ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ؛ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لِبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [الْعَنْكَبُوت: 41] فَأَدْخَلَ إِنَّ وَبَنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، وَبَنَاهُ مِنَ الْوَهْنِ، وَأَضَافَهُ إِلَى الْجَمْعِ، وَعَرَّفَ الْجَمْعَ بِاللَّامِ، وَأَتَى فِي خَبَرِ إِنَّ بِاللَّامِ. لَكِنِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [الْبَقَرَة: 26]. وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَثَلَ بِمَا دُونَ الْبَعُوضَةِ فَقَالَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ». قُلْتُ: قَدْ قَالَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ إِنَّ مَعْنَى قوله: {فَمَا فَوْقَهَا} فِي الْخِسَّةِ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِه: مَعْنَاهُ: (فَمَا دُونَهَا) فَزَالَ الْإِشْكَالُ.
|